فن ما بعد الإنسان

سطيرلاك: الأذن الثالثــة أو أذُنٌ تحت الذراع / ترجمة: محمد أسليـم

تقديم:

فنان أسترالي من مواليد عام 1946، معروف بأداءاته في الفن الجسدي التي يمزج فيها بين الجسد البيولوجي ومكونات إلكترونية أو روبوتية، من منظور أن الجسد البشري مما عفا عليه الزمن. ويعتبر سطرلارك أحد مروجي نزعة الإنسانية العابرة، على الواجهة الفنية، إلى جانب فنان آخرين، مثل أورلان Orlan، وإدواردو كاك Eduardo Kac، وآرثر إلسونار Arthur Elsenaar، وناتاشا فيتا مور Natasha Vita-More، وعزيز وكيوكر Aziz et Cucher، وغيرهم (المترجم).

ما يميز جميع المشاريع وأداءات العروض هو مفهوم الأجهزة التعويضية. لا يُنظر إلى الطرف الاصطناعي على أنه علامة نقص، ولكن يُنظر إليه بوصفه أحد أعراض الزيادة في الجسد، أي تعزيزه.

بدلاً من استبدال جزء من الجسد مفقودٍ أو معطل، تعمل هذه الواجهات والأجهزة على تعزيز شكل الجسد ووظيفته أو تضخيمهما. اليد الثالثة (تكنولوجيا ملحقة)، ونحت البطن (تكنولوجيا مُدرجة) والهيكل الخارجي [exoskeleton] (توسيع التكنولوجيا) مقاربات مختلفة للتعزيز عن طريق الأطراف الاصطناعية. الأذن الثالثة [الأذن الإضافية] هي طرف اصطناعي ناعم لا يتكون من مواد وتقنيات صلبة، ولكن من نسيج ناعم وغضروف مرن. لن يكون هذا الجهاز الاصطناعي قابلاً فقط للحمل، ولكن سيُركَّبُ في الجسد باستخدام جلده وغضروفه بوصفه ملحقا دائما. لقد تم بالفعل تطوير تقنيات جراحية لإعادة التجديد الأذيني، لذلك فنحن إزاء مشروع معقول. لكن الصعوبة تكمن في العثور على المساعدة الطبية المناسبة لتنفيذه. منذ عام 1997 أعرب أطباء، لعدة مرات، عن اهتمامهم بتقديم المساعدة في تركيب مثل هذه الأطراف الاصطناعية، لكنهم غيروا رأيهم في النهاية. المشكلة هي أن كل هذا يتجاوز جراحة التجميل الصِّرفة، إذ لا يتعلق الأمر فقط بتعديل أو ضبط السمات التشريحية الموجودة (وهو ما أصبح مسموحًا به الآن في مجتمعنا)، ولكنه بالأحرى يتعلق بما يُنظر إليه على أنه تطلع أكثر فظاعة، يسعى إلى بناء أجزاء جسدية جديدة تثير إما تشوهات خلقية أو تعديلا جسديا شديدا، أو ربما حتى تدخلا جينيا جذريا …

يتطلب بناء أذن ثالثة عددًا من الإجراءات، على امتداد ما يناهز ثمانية إلى عشرة أشهر، إذ يجب تعبئة تقنيات الجراحة التجميلية والجراحة الترميمية وجراحة العظام، وبذلك يمكن أن تكون الخطوات الأساسية هي:

  1. استخراج الغضروف من القفص الصدري؛
  2. إعطاء الغضروف الشكل المناسب لتوفير هيكل الأذن؛
  3. وضع الغضروف المعدل تحت الجلد؛
  4. رفع قالب الأذن (ستقام الأذن على جانب الرأس مع إسفين من الغضروف)؛
  5. إخفاء عيوب الجلد من خلال زرع جلد سميك؛
  6. تشكيل شحمة الأذن (باستخدام قطع من نسيج يدعمه الغضروف الداخلي – وإلا سيكون هناك ضمور في الفص).

قد يتم الانتهاء من رفع قالب الأذن وبناء شحمة الأذن من أربعة إلى ستة أشهر بعد تركيب الغضروف تحت الجلد. تتكون بدائل الغضروف من زرع شرائح من السيليكون أو مرزوعات جراحية مثل الـ Medpor، وهي مادة مسامية، ميزتها مقارنة بالسيليكون أنها تسمح بتوسع الأوعية الدموية تدريجيا وتجسيد الأنسجة في الزرع. نحن نفضل الغضروف، لكنه يتطلب إجراء عملية جراحية تحت التخدير العام …

رغم أن الموضع الذي تم اختياره كان يقع في البداية أمام الأذن اليمنى مباشرة، لكنه من الناحية التشريحية ليس المكان الأكثر أمانًا ولا الأقل خطورة (هناك مشاكل مع أعصاب الوجه والفك!). قد يكون من الأرجح وضعه دائمًا بجوار الأذن اليمنى، ولكن خلفها. ومع ذلك، فالطريقة الأسهل والأكثر عملية للنجاح هي إنشاء أذن واحدة على الذراع. فجلد الساعد الأمامي الناعم سيسترخي بشكل صحيح دون الحاجة إلى وضع أي طرف صناعي (كما سيكون الحال بدون شك بالنسبة لفروة الرأس). سيكون أقل خطورة وسيتطلب عددا أقل من العمليات الجراحية. ونظر لانفصال أذن الذراع عن الرأس، فإنه يمكن توجيهها نحو وجهات مختلفة (سيكون دائما لديَّ شيء في كمّيَ) …

الأصابع الميكانيكية لليد الثالثة أكثر نعومة وأكثر مهارة من اليد اليمنى الحقيقية. سوف تقلد الأذن الثالثة الأذن الحقيقية من حيث البنية والشكل، ولكنها ستكون لها وظائف مختلفة. تخيلوا أذنًا لا تسمع، ولكن تنبعث منها أصواتٌ. بشريحة صوت مزروعة ومُسْتشعِرٌ بالقرب الحسي، ستتحدثُ تلك الأذن إلى كل من يقترب منها (أو إذا لم يقترب أحد، فإنها ستهمس إلى الأذن الأخرى بأشياء حلوة صغيرة، على أي حال). أيضًا، من خلال اتصالها بموديم وحاسوب محمول، يمكنها أن تقوم ببث أصوات بصيغة RealAudio للزيادة في الأصوات المحيطة التي تسمعها الآذان الحقيقية. تصبح الأذن الثالثة نوعا من هوائي antenne إنترنت يحسّن الحواس الجسدية «عن بُعد»، كما من وجهة نظر صوتية. لكن هذه الإمكانيات الوظيفية ليست ما يبرر المشروع أو يعطيه أصالته. فهو يبقى مثيرا للاهتمام حتى من دون الجانب النفعي. لماذا إنشاء أذن أخرى؟ الأذن بنية جميلة ومعقدة. في الوخز بالإبر، الأذن هي موضع تحفيز أعضاء الجسد. ليست الأذن موجودة فقط للسماع، بل هي أيضا جهاز التوازن. وجود أذن هو زيادة تتجاوز مجرد إضافة بصرية أو تشريحية …

سطيرلاك

السابق
أورلان: بيان الفنّ اللحمي / ترجمة: محمد أسليـم
التالي
ماكس مـور: مبادئ إكستروبيـة 3.0 / ترجمة: محمد أسليـم